ما الذي يدفع فتياتنا للهروب؟!..لا أعتقد بوجود فتاة تهرب (إلا إذا وجد سبب قوي). ولعلنا مطالبون في كثير من الأحيان بالتروي والتأني لفهم السلوكيات والتصرفات غير المألوفة.لو هربت فتاة تحت ذريعة العاطفة وحباً فيمن هربت معه، فمن حقنا أن نهاجمها ونكيل لها التهم والشتائم. ولكن لو هربت مما تعاني منه من ظلم وسوء معاملة في أسرتها فلا بد أن نقف ونفكر.
إنني أتعامل مع الفتيات ومشاكلهن يومياً وما أسمعه من قصص ظلم لهن تجعلني أفكر وأفكر إلى متى هذا الظلم للفتيات في مجتمعنا؟. أرجوكم هذه المرة لا تقولوا بناتنا بخير. نعم بعضهن بخير والأخريات يعانين من أسرهن التي تفتقد لأبسط قواعد الإنسانية في التعامل معهن. الكثير من أنواع الظلم والتهميش والإساءة تمارس تجاه فتياتنا وراء الأبواب المغلقة. والمجتمع بجميع أفراده يعتقد أنه من المستحيل أن تظلم أسرة ابنتها وننسى أن أكثر أنواع الظلم والإساءة انتشاراً تلك التي تصدر من الأهل والأقارب.
فهل يعقل مثلاً أن يسافر الابن كل صيف وتحرم هي حتى من الذهاب للسوق؟
ثم بالله عليكم، إلى متى ونحن نحرم بناتنا ونساءنا من حرية اتخاذ القرار؟ إلى متى نجد شابا في السابعة عشرة نبعثه في بعثة دراسية لبلاد الغرب ونضعه في وسط الفساد بينما قد تكون أخته في الثلاثينيات وليتها تستطيع حتى السفر للدراسة بل الأسوأ من ذلك أنها لا تستطيع الخروج لزيارة صديقة أو قضاء وقت ممتع مع صديقاتها في مطعم. لازلنا نتعامل مع أولادنا وبناتنا بطريقة مزدوجة. الولد نترك له الحبل على الغارب، والبنت نقيدها بسلاسل من حديد نخاف منها وعليها. مع أن كل الدراسات تثبت أن الانحراف السلوكي لدى الإناث أقل منه لدى الذكور، تلك الدراسات التي مصدرها الدول الغربية التي نال الجنسان فيها قدرا متساويا من الحرية.
لقد تغيرت الظروف وتغيرت متطلبات بناتنا ولم يعد مفهوم (أنت بنت) مقبولاً لدى الفتيات إلا كنوع من التصنيف على أساس الجنس والنوعية. ولما تمليه الفروق بين الجنسين. فروق لا تدعو بأي حال من الأحوال إلى التفرقة في التعامل والعطاء والفرص الممنوحة، لا بد ألا نلوم كل فتاة تهرب، خاصة إذا كانت هناك أسرة ظالمة تدفعها للهروب.
لقد منع عمر بن الخطاب حد السرقة عندما انتشرت بسبب الفقر لأنه أدرك أنه في كثير من المواقف وتحت ضغوط الحياة وقسوتها قد يصبح الإنسان أسيراً لهذه الظروف غير قادر على الوقوف أمامها ومقاومتها، وأنا متأكدة أنه وفي معظم الحالات وراء هروب أي فتاة ...... أسرة مجرمة قاسية لا ترحم!